تفاصيل تمويل الإمارات لوبي أميركي لتغيير مفاهيم المنطقة

ضمن حلقة جديدة من فصول تسريبات بريد السفير الإماراتي لدى الولايات المتّحدة، يوسف العتيبة، كشف موقع “إنترسبت” المتخصّص، يوم الخميس، أن الإمارات بصدد المساهمة بمبلغ 20 مليون دولار على مدى عامي 2016 و2017 لـ”معهد الشرق الأوسط”؛ أحد أكبر اللوبيات في واشنطن.

ومن شأن تلك المساهمة الضخمة، التي كانت الإمارات تأمل إخفاءها، أن تسمح للمعهد، وفقًا للاتفاق المبرم، بـ”تعزيز طاقم باحثيه بخبراء عالميّين من أجل مواجهة المفاهيم الخاطئة الفادحة حول المنطقة، وإبلاغ صنّاع القرار في مؤسسة الحكم الأميركية، وجمع قادة إقليميين لإجراء حوار مكثّف حول القضايا الملحّة”.

البترودولارات مقابل النفوذ

ويشير الموقع، عطفًا على ذلك، إلى أن “معهد الشرق الأوسط”، الذي تأسس في عام 1946، كان منذ فترة طويلة لاعبًا مؤثّرًا في دوائر السياسة الخارجية في واشنطن. وهو بمثابة منصّة للعديد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في الولايات المتّحدة، الأمر الذي يتيح لهم الظهور بشكل منتظم على المحطّات التلفزيونيّة الأميركية، وفي المؤتمرات والندوات التي تضمّ شخصيّات نافذة في مؤسسة الحكم.

ويضيف الموقع أن معاهد البحث والتحليل في واشنطن، المعروفة باسم “Think Tanks”، تلعب دورًا مهمّاً ربّما يضاهي الأهمّية التي يمثّلها شارع “كيه ستريت” (حيث تتركّز مجموعات الضغط والمصالح)، على الرغم من ضآلة المعرفة العامّة حول نشاطها ومصادر تمويلها. وفي الوقت الذي تعاني فيه المؤسسة السياسية من تأثير روسيا في انتخابات عام 2016، كما يستطرد الموقع، تبدو واشنطن نفسها غارقة في المال الموجّه من شركات وحكومات أجنبية.

وتضمّنت الوثيقة المسرّبة إلى موقع “إنترسبت” مجموعة من المراسلات الدبلوماسية التي استخرجت من حساب البريد الإلكتروني للعتيبة؛ “إما من قبل قراصنة إلكترونيين أو عبر شخص يملك إمكانية الوصول إلى صندوق الوارد”.

ولم تتضمّن الوثيقة تفسيرًا واضحًا لمصطلح “التصورات الخاطئة” التي ستسخّر الأموال من أجل القضاء عليها، غير أن العتيبة لم يخف سرًّا حول “ازدرائه” لقطر، والتي زعم أنها “ممولة للإرهاب”، ولم يكتم رغبته كذلك في أن تتخذ الولايات المتّحدة خطًّا متشدّدًا ضد إيران.

وينوّه الموقع إلى الصلات الواسعة التي يملكها العتيبة مع أقطاب الإدارة الأميركية الحاليّة، ولا سيما صهر دونالد ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنير، إضافة إلى قربه، منذ فترة، بمدير “سي آي إيه”، مايك بومبايو، وإقامته علاقات شخصيّة مع مسؤولين ونوّاب في البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب. هكذا يتباهى العتيبة نفسه، مثلًا، في رسالة وجّهها إلى الباحث في معهد الشرق الأوسط، بلال صعب، زاعمًا أنه تلقّى اتصالًا من وزير الدفاع الأميركي، الجنرال جيمس ماتيس، قبل ضرب سورية، “بسبب علاقتي به” كما يقول، مضيفًا: “لم يكن مسؤولًا في واشنطن أو في البنتاغون؛ بل كان ماتيس نفسه من تحدّث على الهاتف”.

ويتابع الموقع أن الإمارات وظّفت دورها الخارجي الضخم لحرف دفّة السياسة الأميركية في اتّجاه أكثر صرامة حيال خصومها: قطر، وإيران، والحوثيين في اليمن، وحكومة الوفاق في ليبيا (المدعومة من الأمم المتّحدة). وإلى جانب ذلك، كان العتيبة من أبرز الداعمين في واشنطن لمحمّد بن سلمان، خلال الفترة التي كان يعمل خلالها من أجل السيطرة على الحكم في السعوديّة، قبل أن يعيّن أخيرًا وليًّا للعهد، بعد الإطاحة بوليّ العهد السابق، محمد بن نايف.

وفي الوقت الذي تشير فيه بعض المعطيات إلى دور رئيسي للإمارات في افتعال الأزمة الدبلوماسيّة في الخليج، والتي أعقبت حصار قطر، لا سيّما بعد أن كشفت صحيفة “واشنطن بوست”، نقلًا عن مصادر استخباراتيّة أميركيّة، أن الإمارات كانت وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية في بداية الأزمة؛ تتّجه الإمارات اليوم إلى إنفاق نحو 20 مليون دولار لتمويل مركز لصناعة السياسات مؤثّر ورئيسي، يضمّ مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، يساهمون في صياغة بعض الرؤى حيال قضايا دوليّة، كالأزمة التي أثارتها الإمارات.

ولم يكن “معهد الشرق الأوسط” وحيدًا في اصطياد البترودولارات الإماراتية؛ غير أنّه كان الأكثر اندفاعًا في ذلك، كما يستدرك معدّ التقرير، ففي أبريل/نيسان 2008، بعد شهر فقط من تعيين العتيبة في منصبة سفيرًا إلى الولايات المتّحدة، تواصل ماك ماكليلاند (الذي أصبح لاحقًا استشاريًّا مقيمًا في الإمارات) مع العتيبة بالنيابة عن رئيس مجلس إدارة الشركة، ويندي تشامبرلين، لإبلاغه بأنّه تعهّد بجمع خمسين مليون دولار من الإمارات لصالح المؤسسة، وطلب من العتيبة المساعدة.

ويقترح ماكليلاند، في إحدى الرسائل المسرّبة، قائلًا: “أظن أن الوقت مناسب الآن للتعامل مع قادة الإمارات، نظرًا للسيولة الضخمة في البلاد، فضلًا عن الحاجة الجليّة لتعزيز وعي العرب/المسلمين في الولايات المتّحدة.

غير أن العتيبة أبلغ ماكليلاند أنه كان يطلب الكثير، قائلًا: “أنا على بيّنة من حملة التبرّعات التي يعقدها معهد الشرق الأوسط، وسأفعل ما بوسعي للمساعدة في دعمها، لكن أشعر أنه من المهم إدارة التوقّعات. أعتقد أن المبالغ التي ذكرتها هي أبعد قليلًا عن تقديراتنا الأصلية”، منوّهًا في نهاية رسالته إلى أنه “يتحدث بالطبع عن حكومة أبوظبي فقط في هذه المسألة”، رغم أنّه، رسميًّا، يمثّل الإمارات السبع المتّحدة بأكملها.

إسقاط مرسي: صفقات خفيّة في واشنطن

لاحقًا في عام 2013، بدأ العتيبة فعلًا يضطلع بدوره، كما يلاحظ الموقع، استنادًا إلى الرسائل المتبادلة بينه وبين الناشط والباحث المصري رامي يعقوب، والتي تكشف بعض التفاصيل حول الترتيبات المشتركة التي اتّخذت منذ ذلك الوقت.

يقول العتيبة ليعقوب في إحدى تلك الرسائل: “اتّفاق معهد الشرق الأوسط يتضمّن دفع 1.5 مليون سنويًّا، سأهتمّ بذلك”، مردفًا: “سوف توفّر جماعات الضغط والاتصالات لمجموعة المعارضة، لأنني لا يمكنني القيام بذلك أولًا، وثانيًا لأن المبلغ سيكون أقلّ بكثير”.

ردًّا على ذلك، يجيب يعقوب في رسالة موجّهة في يناير/كانون الثاني من العام ذاته: “حسنًا. نجيب كان لدي انطباع بأنه سيموّل ذلك جزئيًا. سأعمل مع ريتشارد من أجل تحريك الأمور في أسرع وقت ممكن، وسأشرح ذلك لنجيب”.

ولا يرد في الرسائل ما يوضح من هما ريتشارد ونجيب، كما يوضح الموقع، إلا أنّه يرجّح أن يكون الأول هو ريتشارد مينتز، الممثل الأبرز للعتيبة في واشنطن، والثاني هو الملياردير المصري نجيب ساويرس، الذي حصل قبل شهرين من ذلك فقط على “جائزة معهد الشرق الأوسط للتميز في الإدارة المدنية”، خلال مأدبة المعهد في ذكرى تأسيسه الـ66. وبالاستناد إلى ما سبق، فإن ما يقصده العتيبة بـ”مجموعة المعارضة” سيكون، على الأغلب، المجموعات المناوئة في حينه لحكم الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، قبل أن تتمّ الإطاحة به في انقلاب عسكري مطلع يوليو/تموز من العام ذاته.

لقاء مع الجبير.. وشيك بنصف مليون دولار

يبدو أن نهم المعهد تجاه الخليج لم يقتصر على الإمارات وحسب، إذ يكشف الموقع أن رئيس مجلس إدارة المعهد الحالي، ريتشارد كلارك، وهو مستشار الأمن القومي السابق لكل من بيل كلينتون وجورج بوش الابن، والشهير سابقًا بانتقاده للسعوديّة، على وجه الخصوص، بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول، تراجع عن حدّته تلك منذ انضمامه إلى المعهد، واتّجه نحو الضغط على السعودية لزيادة منحها الماليّة، وهو ما حصل عليه في إحدى الاجتماعات مع سفير السعودية لدى الولايات المتّحدة في حينها، ووزير الخارجيّة الحالي، عادل الجبير.

ورغم أن التقرير لا يشير على وجه التحديد إلى سنة الاجتماع، إلا أنّه ينقل عن مصدرين على علم بتفاصيله، أحدهما قريب من العائلة الملكية السعودية، والآخر هو مسؤول سابق في “معهد الشرق الأوسط”، أن كلارك خرج من اجتماعه مع الجبير وفي جيبه شيك بقيمة 500 ألف دولار.

ويشير الموقع، زيادة على ذلك، إلى أن ممثل السعوديّة لفترة طويلة في العاصمة واشنطن، مايكل بيتروزيلو، هو الآن أحد أعضاء مجلس “معهد الشرق الأوسط”، كما أن ريتشارد مينتز (ممثل العتيبة في واشنطن) يملك الآن عقدًا مجزيًا مع السعودية أيضًا.

“مواجهة المفاهيم الخاطئة”

غير أن الدعاية المبهمة التي يتحدّث عنها العتيبة، وتتعلق بـ”مواجهة المفاهيم الخاطئة الفادحة حول المنطقة”، ويضاعف مساهمات بلاده الماليّة في سبيلها من 1.5 مليون إلى 20 مليون دولار”، مرتبطة على الأغلب بـ”الإخوان المسلمين” والإسلام السياسي عمومًا، وقطر، بالإضافة إلى إيران، وفق ما يخلص إليه الموقع، وأبرز مثال على ذلك، هو بلال صعب الذي ورد اسمه في المراسلات، والذي كان أحد “الخبراء العالميين” المنضمّين لتعزيز طاقم باحثي المعهد من أجل تلك الغاية.

في مايو/أيار (الماضي)، كما يفصّل الموقع، ترد إلى بريد بلال صعب رسالة دعوة إلى حفل سنوي في قطر، فيسارع الأخير إلى تحويلها للعتيبة، “حتى يستطيع الطرفان الضحك سويًّا”. يرد العتيبة على الرسالة ساخرًا: “لا بدّ أن يكون مغريًا أن يتلقّى المرء طلبًا من هذا القبيل”، فيجيبه صعب: “النوع الخاطئ من الطلبات”، ويرفض أخيرًا الدعوة.

غير أنّه يتجاوب بشكل أكثر إيجابية مع طلبات أخرى، إذ يستشير العتيبة في إحدى الرسائل كاشفًا له أنه “تلقّى طلبًا من ديفيد بترايوس لكتابة مقدّمة تقريرنا الرئيسي حول التحدّي الإقليمي لإيران”، ويعقّب قائلًا في الرسالة التي بعثها للعتيبة في مارس/آذار الماضي: “هذه أخبار جيّدة. الأخبار السيئة هي أنه يجب علي كتابة مقدمة له. ليست المرّة الأولى التي أكتب فيها مقدمة لآخرين. ما رأيك؟”. وينسخ صعب بعد ذلك نص المقدمة الذي كتبه في ذيل الرسالة، بحيث يمكن للعتيبة التعديل على النص الذي سينشر أخيرًا تحت اسم بترايوس، وهو المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.