تحت شعار “يزّي”، تستعد مدينة صفاقس اليوم للقيام بتحرك احتجاجي أمام الولاية على الساعة الثالثة بعد الزوال للمطالبة بغلق مصنع “السياب” لإنتاج الأسمدة الكيميائية تطبيقا لقرار الغلق الغير مفعل والمتخذ منذ 2008.
وقد بادرت تنسيقية البيئة والتنمية بصفاقس بالدعوة لهذه الوقفة الاحتجاجية ثم رافققتها حملة اسناد سياسي ومدني ورياضي كبيرة، فتعدّدت البيانات الداعية للمشاركة في التحرك والمطالبة بحق الجهة في بيئة سليمة و تنمية عادلة و شاملة، وجنّدت الاحزاب والجمعيات والمنظمات مناضليها للنزول للتحرك (الحزب الجمهوري، المسار الديمقراطي الاجتماعي، التكتل من أجل العمل والحريات، التيار الديمقراطي…)، وتوحّد نواب مختلف الكتل والمجموعات السياسية حول القضية.
هذا الالتفاف المجتمعي يعكس حجم المصائب التي تسبب فيها هذا المصنع وما رافق عمله من كوارث بيئية وصحية على الجهة بأكملها، فبعد أن كان شاطئ صفاقس قبلة آلاف المصطافين والسياح أصبح مصبا للنفايات السامة والمواد الكيميائية الملوثة، مما تسببت في هلاك نسبة مهمة من الثروات البحرية والسمكية، إضافة للمشاكل الصحية التي يعانيها أهالي المنطقة ككل وخصوصا متساكني معتمدية طينة الذين يعانون من المخلفات الصناعية والكيميائية والاشعاعات النووية التي تشكل تهديدا مباشرا لحياة المواطنين .
لكن الملاحظ أن عدد من الاحزاب والمنظمات المساندة للتحرك قد ضمنت نقطة حذرة في بياناتها، مفادها ” مع الحفاظ على حقوق العاملين في المصنع” وهذا يحيلنا على الموقف الحذر من الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس الذي يبقى لموقفه تأثير ورمزية جهوية.
فالملاحظ أن الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس لم يشارك في هذه الحملة وهذا الزخم الجهوي، وذلك لكون قرار الغلق المشروع قد تترتب عنه مشاكل شغلية للآلاف العملة، وبالتالي فيبدو أن غياب الاتحاد كلاعب محوري في عملية التعبئة مفاده عدم التفكير في مصير آلاف العملة عبر ضغط نقابات القطاع، وهنا يجدر القول أن قرار الغلق والتفكيك وجب أن تسبقه اتفاقات تضمن حقوق العملة ضمن دراسة شاملة للملف.
أما حفيظة شريحة أخرى من الرأي العام الجهوي بصفاقس فهي قائمة على ضرورة الحذر من مهبّة أن يكون هنالك نيّة بعض المدافعين على هذا القرار بغاية محاولة استغلال مكان مصنع السياب الاستراتيجية بعد الغلق في أعمال اقتصادية خاصة أخرى. وهذا “التأويل” يتطلب الحذر والفطنة المستمرة لأهالي صفاقس، اضافة لمتابعة الكواليس والغرف المغلقة التي تدار فيها الدسائس والصفقات .
برغم كل هذه المحاذير والمشاكل التي قد تترتب عن قرار الغلق، فأن مطلب غلق مصنع السياب بصفاقس والمجمع الكيميائي بقابس يعد من المطالب الملحة والضرورية لإنقاذ أرواح بشرية ولضمان حق العيش الكريم لمتساكني هذه المناطق التي تكابد الأمرّين منذ عقود، وأمام تجاهل مطلق من قبل السلط والمسؤولين.
“يزّي” و”stop pollution ” هي ثقافة وعقلية مواطنية راقية تتجاوز الحملة في معانيها المباشرة، هذه المعاني الراقية ترمز للعيش والبيئة السليمة والعدل والكرامة، فليكن تحرك اليوم بمثابة انطلاقة فعلية وحقيقية لمعالجة الكوارث البيئية في أكثر من منطقة ولتتحول هذه التحركات الجهوية لعنوان وطني رئيسي في المرحلة القادمة، تنطلق من انتماءاتنا لهذه المناطق المنكوبة وتتجاوزها بعقلية وطنية مبدئية كي لا تصبح حركات موسمية تنتهي ردات فعلنا بزوال مشكل جهاتنا، فالقضايا البيئية قضية عادلة وسامية بكل المقاييس.
بقلم وسام الصغير