
السياحة والصناعات التقليدية قطاعان حيويان يستمدان بقاءهما من إحكـام صلتهما ببعضهما اذ يعتاش كلاهما على الاخر فكلما نمت السياحة وتطورت أثرت ايجابا على الصناعات التقليدية والعكس صحيح. ذلك أن السائح غالبا لا يعلق بصره إلا بالمنتوج الأصيل في الجهة التي يجد نفسه فيها ولا يلتفت الى المشترك بين الحضارات من انتاجات باتت بحكم تنقلها خلال العالم تحيل على مبتكرات نمطية يجدها أمامه حيثما نزل فتغدو بفعل حضورهـا المتكرر شيئا مألوفا لا يلوي عنقه ولا يجذب اهتمامه. وأدرك أدلاء السواح مبكرا هذا الميل لدى الأجنبي فحرصوا على إشباع نهمه من كل ما هو منتوج محلي يضوع منه عبق التاريخ وكلما حافظ الفضاء التقليدي على عذريته الطبيعية وأدواته المترجمة لتفاعل الإنسان مع محيطه كلما ضاعف ذلك من شغف السائح وحقق له المتعة التي ينشدها. لم تعد الشمس والرمال والشواطئ هي الخيار الأول على أجندة السائح ولا هذه الفنادق الفخمة المبنية بالإسمنت المسلح هي التي تثير رغبته وتروي ظمأه الى استجلاء خصوصيات الجهة التي يزورها لأنها تحيله رأسا على صقيع الواقع الذي فر منه الى فضاء اخر مفعم بالبساطة وموشح بألوان محلية أصيلة تترجم عن حياة لها طعم اخر. الصناعات التقليدية تروي قصة حضارة ما قبل التصنيع الالي ..حضارة بناها الإنسان لبنة لبنة بتأن وذوق ونسج خيوطها خيطا خيطا وطرز قماشها حتى غدا لوحة ساحرة…الصناعات التقليدية تروي قصة إنسان يعيش حياته على مهل ويترشفها جرعة جرعة ..إنسان لم يدمره اغتراب الحضارة الحديثة بصخبها المزعج وروتينها القاتل. الصناعات التقليدية تشهد – اليوم – ركودا يهدد وجودها جراء الأزمة الخانقة التي تعيشها السياحة في منطقتنا بالذات بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وتوسع رقعة الإرهاب والمناخ الجيوسياسي المضطرب منذ اندلاع ما يصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي وبات مصير الاف الحرفيين من الذين أغرتهم السياحة بإحياء ما اندثر من صناعات عفا عليها الزمن في مهب الريح. إن خلو الفنادق من السياح يوازيه قلق الأسواق التقليدية من كساد بدأت اثاره السلبية تزرع الذعر لدى الحرفيين والتجار الذين ارتبط نشاطهم ومعاشهم بالدورة السياحية… ان انتعاش الحركة السياحية هو الذي سيضخ دماء جديدة في المنتوج التقليدي الذي يقدم السائح على شرائه غير أن جل المؤشرات لا تبعث على الأمل في الأمد المنظور من حيث عودة النشاط السياحي الى سالف حيويته نظرا لعدم استباب الأمن في محيطنا الجيوسياسي وغياب استقرار الأحوال العامة. ويبقى الأمل معقودا على ذلك القدر من السياحة الداخلية في إنقاذ جزء من الموسم وتبقى إمكانية البحث عن أسواق جديدة قائمة.