كيف ستعاقب الصين لو ثبتت شكوك أن الفيروس مخلّق في معاملها؟

كيف ستعاقب الصين لو ثبتت شكوك أن الفيروس مخلّق في معاملها؟

هل حان الوقت أخيراً لتعترف الصين بمسؤوليتها عن انتشار جائحة كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم؟

ففي انتهاك غير مسبوق للبروتوكول الدبلوماسي التقليدي، نشرت وزارة الخارجية الصينية محادثةً خاصة بين وزير الخارجية الصيني ووزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، الذي نُقل عنه: “السيد راب أعرب عن معارضة المملكة المتحدة الحازمة لتسييس التفشّي”، في تملُّقٍ واضح لبكين.

و”تسييس التفشّي” هو تعبيرٌ صيني للدلالة على طرح الأسئلة حول متى اكتُشِف للمرة الأولى أنّ الفيروس يُؤدّي إلى مرضٍ خطير، ولماذا تستّرت الصين طوال أسابيع على ما حدث، مع السماح لآلاف الرحلات الجوية بنقل المُسافرين من سكان ووهان المُصابة، لينشروا العدوى داخل الصين وخارجها.

إذ لُوحِظَ تفشّي كوفيد-19 في ووهان للمرة الأولى في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019. حينها بدأ الدكتور لي وينليانغ، طبيب مستشفى ووهان المركزي، في تنبيه الزملاء إلى الوفيات الغريبة الجديدة التي شاهدها بسبب فيروسٍ غير معروف، فجرى احتجازه من جانب الشرطة الصينية، ليُطلَب منه أن يلتزم الصمت. كما أُلقي القبض على سبعة أطباء آخرين أعربوا أيضاً عن مخاوفهم حيال مخاطر الفيروس الجديد. وجرى إسكاتهم من قِبَل الحكومة الصينية، التي كانت قد وقّعت للتو اتفاقية تجارة جديدة مع دونالد ترامب في الـ15 من ديسمبر/كانون الأول عام 2019، ولم ترغب الحكومة في الترويج لأيّ مخاوف صحية كُبرى في البلاد.

وفي النهاية، يوم 31 ديسمبر/كانون الأول، عرف العالم الأمر حين أرسلت تايوان تنبيهاً إلى منظمة الصحة العالمية في جنيف.

ورغم محاولة الصين منع وجود تايوان بوصفها دولةً ديمقراطية مُستقلة، ولكن حركة الأعمال والسياحة بين الجزيرة وبين البر الرئيسي كبيرة للغاية، لذا نما إلى علم الأطباء والمسؤولين في تايوان أنّ هناك مرضاً جديداً يجتاح ووهان. فبدأوا إجراء الفحوصات الطبية على ركاب الرحلات القادمة من الصين.

وأعلمت تايوان منظمة الصحة العالمية في ليلة رأس السنة بوجود حالات “التهاب رئوي غير نموذجي”. ويُستخدم هذا المصطلح عادةً في الإشارة إلى الأمراض من نوعية السارس التي تنتقل بين البشر نتيجة الفيروسات التاجية. وخشي التايوانيون أنّ الفيروس يُمكن أن ينتشر بسرعةٍ كبيرة قبل إجازة العام القمري الصيني، حين يُسافر ملايين الصينيين للتواجد مع عائلاتهم. فوضعوا كل الواصلين من البر الرئيسي في الحجر الصحي، وبدأوا في اتّخاذ تدابير صحية أخرى أبقت أعداد الحالات عند 395 حالة إصابة -و6 حالات وفاة فقط- داخل بلدٍ يصل تعداد سكانه إلى 24 مليون نسمة.

لكن منظمة الصحة العالمية استجابت لتنبيه تايوان بعدم اتّخاذ أيّ إجراء، إذ أرسلت التنبيه إلى الحكومة الصينية طلباً للتعليق. فأخبر النظام الشيوعي منظمة الصحة العالمية بعدم وجود أيّ مشكلة.

وفي الـ14 من يناير/كانون الثاني، نشرت منظمة الصحة العالمية بياناً، نقلته التغريدات بمختلف لغات العالم، قالت فيه: “توصّلت التحقيقات التي أجرتها السلطات الصينية إلى عدم وجود أي أدلة دامغة على انتقال فيروس كورونا الجديد المُكتشف في ووهان بين البشر”. ولا شكّ أنّ قرار منظمة الصحة العالمية بالتصرّف على أنّها بوقٌ يُردّد تصريحات الحزب الشيوعي الصيني، برفضها الإعلان عن الوباء بعد التنبيه التايواني واتّخاذ الإجراءات الضرورية لاحتوائه، يُمثّل لحظةً سوداء في تاريخ المنظمة. وفضّلت منظمة الصحة العالمية الانحياز إلى دولة حزبٍ واحد غير ديمقراطية، بدلاً من دعم الصحة العالمية.

وفي الولايات المتحدة، يُحاول ترامب الآن تحميل منظمة الصحة العالمية المسؤولية بمفردها عن الانتشار السريع لكوفيد-19. ولكن ذلك الأمر ليس منصفاً؛ إذ إنّه تملّق نظام بكين السري مع زعماء الغرب الآخرين، ولم يُصرّوا أبداً على أن تلتزم الحكومة الصينية بالقواعد العالمية.

وتُبلِغ وكالات الاستخبارات البريطانية، والأمريكية، والأوروبية الآن عن حملة تضليلٍ ضخمة بواسطة الصين لتتفادى تحمّل المسؤولية عن دورها في انتشار الجائحة. وكان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أكثر صراحةً من وزير الخارجية البريطاني، إذ قال إنّ التفشّي الأوّلي “تفاقم بسبب التستُّر على معلومات مهمة من جانب مسؤولي الحزب الصيني”.

وخلال تلك الفترة الحاسمة، كان آلاف الركاب يطيرون من ووهان إلى مُدن أخرى داخل الصين وحول العالم. وكان ذلك هو المصدر الرئيسي لانتشار الفيروس. وأدرك الأطباء في تايوان ذلك، لكن حملة الصين ضد السماح لتايوان بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وغيرها من الكيانات العالمية غير السياسية زادت الشعور بالرضا عن النفس داخل أوروبا والولايات المتحدة، فيما يتعلّق بخطورة تفشّي المرض.

والآن انضم عددٌ من البرلمانيين الأوروبيين (منهم 30 بريطانياً) إلى حملةٍ أطلقها السيناتور الفرنسي أندر غاتولين، المُقرّب من إيمانويل ماكرون والمندوب الفرنسي في مجلس أوروبا، لتشجيع منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي على الاستعانة بخبرات تايوان في التعرّف على كوفيد-19 ومكافحته بنجاح.

كما اشترك النائبان البارزان في حزب المُحافظين توم توغيندات وتوبياس إلوود، رئيسا اللجان المُختارة للشؤون الخارجية والدفاع، في المطالبة بفتح تحقيقٍ حول مسؤولية الصين عن أسباب الجائحة. وعلى نحوٍ مُنفصل، يبحث الخبراء القانونيون رفع قضية الصين إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. والتهمة هنا هي أنّ أكاذيب النظام الشيوعي الصيني، وحملاته المُضلّلة على الشبكات الاجتماعية التي كان الغرب بطيئاً في مواجهتها تركت العالم من دون معلومات طوال أسابيع حاسمة، في شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، وكان من شأن تلك المعلومات أن تُسفر عن اتّخاذ تدابير يُمكنها الحد من نطاق كارثة الجائحة والكساد الاقتصادي العالمي.

وسيجري تحقيقٌ كبير هنا في بريطانيا حول أسباب التعامل مع كوفيد-19 بهذا الشكل السيئ حتى الآن. لكن الجدل العالمي الأكبر سيكون حول كيفية تعامل العالم مع قوة الصين الصاعدة، وهي القوة المُستعدة للمخاطرة بحياة مواطنيها أنفسهم لأسابيع طويلة، رغم علمها بوجود فيروس تسبّب في وفاة أكثر من 100 ألف شخص حول العالم، بدلاً من قول الحقيقة.

– هذا الموضوع مُترجم عن صحيفة The Independent البريطانية.