فانتازيا البدو و حمى التبذير



مصباح شنيب

تشهد تطاوين خلال الصيف انفلاتا في كل أوجه الحياة وازديادا كبيرا في الإنفاق بما يرهق ميزانية الأسر.ويعرضها لاختلال يصعب معالجته. ومرد ذلك إلى مركزة حفلات الأعراس صيفا جريا على عادة قديمة لها علاقة بالنظام ألفلاحي العتيق حيث تمثل فترة الصيف موسم راحة تعود فيه القبائل إلى أوكارها بعد الضرب في الأرض وجني المحاصيل الزراعية من مواقع مختلفة وبعد بيع الخرفان اثر عملية الجز أواخر الربيع إذ يحقق لها هذا النشاط بعض الأربـاح المالية بما يعينها على سد تكاليف الأفراح…غير أن واقع اليوم لم يعد واقع الأمس وتغيرت مصادر دخل العائلات وأصبح للهجرة دور في تنظيم الحياة الاجتماعية ولكن الصيف بقي موسم الأفراح والمناسبات والتقاء أهل الخارج بأهل الداخل.
ولقد أثرت الهجرة في حياة أهل الجنوب وأكسبتهم عادات جديدة وتقاليد في صرف الأموال في غير مواضعها ومكنت بعض العائلات من تنمية قطعانها وتزويدها بالأعلاف وانعكس هذا الوضع الاجتماعي الجديد على سلوك الناس وبلغ التنافس مداه بين العائلات في إقامة الولائم والمآدب في المناسبات الاحتفالية المختلفة وخصوصا في حفلات الزفاف وبتنا نعاين ونسمع عن فلان الذي ذبح خمسين أو ستين رأسا من الماعز والخرفان ورؤوس الإبل بل إن العدد يصل إلى التسعين رأسا فما فوق من الأغنام. وهذه الكميات الكبيرة من اللحوم وجفان الكسكسى لا يستهلك منها المدعوون إلا القدر الضئيل والباقي يرمى به في الأودية والمزابل. ولا يقتصر التبذير على الأطعمة فحسب وإنما يشمل وجوها أخرى تتعلق بالتجهيز المنزلي المبالغ فيه فضلا عن تجهيز العروس بمختلف الشراءات من الزرابي والملابس والذهب والفضة وأواني الطبخ بما يصل لدى بعض الأسر إلى ما يكفي لتزويد مغازة متوسطة بالسلع.
لاشك أن هذا السلوك يرقى إلى مستوى السفاهة من حيث إهدار المال وإتلاف الثروة الحيوانية ومن حق السلطة أن تراقب هذا التصرف غير الرشيد وان تدعو مقترفيه إلى الكف عنه عبر وسائل الإرشاد والتوعية وعبر أدوات الزجر لاحقا. والسلطة يمكنها القيام بحملات إرشادية قبل انعقاد حفلات الأعراس للتنبيه إلى مضار الإفراط في تناول اللحوم والدهون وتقوم المصالح التابعة لوزارة الصحة بتنفيذ ذلك وللأئمة دور في توعية الناس من مغبة التبذير والتنافس في إهدار المال بصورة عشوائية.
ان مصالح الإرشاد الاجتماعي مدعوة مطلع كل صيف إلى تثقيف الناس وتعليمهم أساليب العيش السوي والمعتدل. فالمجتمعات في حاجة إلى التربية كما الأطفال ومرتكبي الجنح وهذه تربية وقائية يحسن إدراجها ضمن أنشطة الإرشاد وسيكون لها صدى في ظرف سنوات معدودة.
مصبــــــــــاح شنيـــب