عبد اللطيف الحداد: عندما يذهبُ الشهيدُ إلى النوم، نصحو ولا نصمت

abdellatif-haddadإلى النشطاء السياسيين والمدنيين بجهة تطاوين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ صدور حُكم السكتة القلبية المتعلّق باغتيال الشهيد لطفي نقّض، وسيول التفاعل معه لم تتوقف عن التدفق والسيلان في كل الفضاءات والمنابر والهيئات والإعلام بوسائطه المتعددة وعلى صفحات المنتديات الاجتماعية ..
إلاّ في تطاوين حيث ساد صمتٌ رفيع ومنيع حتّى لكأنّ القتل لم يَكن قد حدثَ فيها أصلا .. والقاتل والقتيل لم يكونا منها وإليها بتاتا.
[2]
ولئن كان من غير الغريب عندي أنْ تلوذ بالصمت والانتظار تلك الجمُوعُ -منها حَشدٌ يُقدّم نفسَه اليوم بعد المُسمّاة ثورة على أنه من قوى المجتمع المَدني الجديد والسعيد- تلك الجموعُ التي أحنت رأسها طيلة عقود الاستبداد وكانت احتياطيّ نظامه البائد للطحين والتقفيف والولاء عيار 24 ، فإنّ الغريب عندي والعجيبَ هو أنْ يَصمتَ فاعلون وناشطون كُثرٌ وهم الذين لا يُفوّتون فرصة وحتى نصفها أو ربعها للحديث في شؤون الجهة وشجونها التاريخية والجغرافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتنموية حتّى ليُخيَّل لك وأنتَ تسمعهم أنّ الانتقال الديمقراطي بربوع تطاوين بات في حُكم “المضمون” وأنّنا بَعدُ قد قَطفنا ثمار الديمقراطية المحلية والتشاركية معا وأنّ أهالينا في إمكانهم الآن أنْ يطمئنّوا على سلامة المسار وآمِنِ المصير وهم يحظون بكلّ هذا السخاء المُواطني المدني وهذه اليقظة الرقابية الاستباقية.
[3]
وليس الغريب والعجيب اللذان وجدتُهما هما بمعنى التفاجؤ وعدم التوقّع بل هما غرابة أردتُها أنْ تُحيلَ على الإنكار وعجبٌ يُحمَل كما أريده أنْ يَفعلَ على التشهير والتنديد به بأعلى صوتٍ.
مستقبلُ هذه الجهة مهما توهّم البعض لن يكون بوسعه أنْ يقفز على الدم الذي سال غدرا وحقدا .. ولا على التسمّم المُريع الذي عرفته الحياة السياسية في تلك الأيام السوداء الطويلة التي خرجت فيها تطاوين من بشاعات الحُكم البائد لِتَدخلَ سريعا وقبل الجميع في بشاعات الحُكم السائد.

مهما تهيّأ للبعض أو للأغلب أنّ هامشَه المدني والحقوقي مقصورٌ وموقوفٌ على ما يهوون وسمَه بـ “قضايا التنمية الحارقة في الجهة” والحقّ في “التمييز الإيجابي” ومناباتنا من الثروات الباطنية والتعويض عن “المظلومية التاريخية” والجواب على “وينو البترول” والجري وراء بعث المعهد العالي للدراسات الطاقية و الغازية والبترولية بعد أنْ ضاعَ شقيقة الآخر: المعهد العالي لعلوم التربية إلخ إلخ إلخ من هذه العناوين التي يمضغها الكثيرون وهم على جهل تام بسياقاتها واستحقاقاتها ومُوجباتها وعضوية علاقاتها ببنية ضامّة وأخلاقية عامة لا انقطاع فيها بين مختلف الدوائر ولا بين ما يُراد تحصيلُه من المغانم والمآثر ولا انفصام فيها بين ما يُلقى على المنابر وما تُمليه الضمائر.
[4]
لستُ بصدد التحريض على أيِّ جهة أو هيئة أو أحد.
إنما أنا بصدد التحريض على مُواجهة شُجاعة مع الذات أعني مع ذاتنا السياسية والمدنية.
فعندما يذهبُ الشهيدُ إلى النوم، لا يصحّ أنْ نذهب مثله إلى النوم ونحن على قيْد الحياة وقيد الشهادة على كل ما فيها وفينا !
[5]
ألم يُعلّمنا الشاعرُ إزاء الشهيد أن نَصحُوَ صحوة عين وصحوة ضمير في نفس الوقت إذ قال:
” عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ أَصْحُو، وَأَحْرُسُهُمُ مِنْ هُوَاةِ الرِّثَاءْ
أَقُولُ لَهُم: تُصْبحُونَ عَلَى وَطَنٍ، مِنْ سَحَابٍ وَمِنْ شَجَرٍ، مِنْ سَرَابٍ وَمَاءْ
أُهَنِّئُهُم بِالسَّلامَةِ مِنْ حَادِثِ المُسْتَحِيلِ، وَمِنْ قِيمَةِ الَمَذْبَحِ الفَائِضَهْ “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.