إنّ الأعراف والتقاليد، متضافرة مع قوانين الأحوال الشخصية التي ترعى الأحوال الأسرية عندنا، وضعت المرأة، دون مبرّر موضوعي، ولأسباب لم تعد قائمة في أيامنا الحاضرة، في موقع هشّ وضعيف إزاء الرجل. إنّ من بعض وظيفة مؤسسة القانون حماية الطرف ذي الموقع الأضعف في علاقة بين طرفَين؛ أليس هذا ما يفعله قانون الشغل، مثلاً، حين يحمي العامل من «سطوة» ربّ العمل؟ هكذا، فإنّ قانون حماية المرأة من العنف الأسري يوفّر تلك «الحماية»، تحديداً، ويسهم في إحقاق المساواة بين المرأة والرجل. إنّ ردم الفجوة بين النساء والرجال في مجال توفير الأمن والسلامة لهما في إطار الأسرة، هو من بعض مسؤوليات المشرّع تجاه المواطِنات ـــــ أي، الطرف الذي وضع، قسراً ودون وجه حق، في موقع أضعف في دائرة الأسرة؛ فيغدو قانون يحمي المرأة من العنف الأسري تصحيحاً لذلك الموقع، ومن بعض شروط إحقاق المساواة التامّة بين فئتين من المواطنين، النساء والرجال، لا تمييزاً لمصلحة النساء. إذ إنّ النساء قد يتعرّضن للعنف، لا لكونهن فاقدي الامتيازات الصحية أو الاجتماعية؛ أي لا لكونهن ضعيفات أو عاجزات أو مسنّات أو معوّقات أو حتى بدون سند اجتماعي. قد تكون الواحدة منهنّ قويّة ومقتدرة وشابّة وذات مهنة … لكنّها تعنّف على كلّ حال. فلا يشفع لها اقتدارها، ولا قوتها، ولا سلامة جسدها، ولا شبابها، ولا استقلالها المهني بالتمتّع بالأمن وبالسلامة داخل أسرتها. فالنساء، بعكس سائر أفراد الأسرة، يعنّفن لأنّ المعتقدات والأعراف قد «طبّعت» العنف الذي يتعرّضن له ـــــ أي جعلته «طبيعياً» ـــــ فلا يُنظر إليه على أنّه عنف. إنّ فظاعات العنف ضد النساء داخل أسرهن قد أصبحت المعلوماتُ عنها متاحةً لمن له أُذُن تسمع وعين ترى. وباتت المعلومات المتعلّقة به موثّقة في أعمال باحثين وباحثات، في دراسات منشورة ومتاحة في كل وسائط نشر المعلومات، القديمة منها والجديدة. والقانون يأخذ بالواقع المُثبت. فلا القول بأنّ «الإسلام أوصى بالمرأة عموماً وخاصة المرأة أماً وزوجةً وابنةً وأختاً وعمةً وخالةً وغيرها، وحذّر من استخدام العنف ضد أي إنسان وخاصة المرأة …». القانون وحده يحمي المرأة داخل الأسرة؛ لأنّه، وكما هي حال القانون عامة، ذو سلطة تستوحي الواقع أساساً، لا التمنيات والتوصيات والفتاوى وحدها. هذه السلطة رادِعة ومحاسِبة وحامية ومعاقِبة، وتردفها أجهزة تنفيذية تجعل الردع والمحاسبة والحماية والعقاب قائمة على أرض صلبة. عبر هذه السلطة، وعبرها فقط، تتوافر شروط التوصيات والفتاوى الدينية. أليس هذا ما يفعله القانون إزاء كلّ التوصيات الدينية؟ (هل تكتفي المجتمعات بوصيّة «لا تقتل» الدينية، مثلاً؟ ألا تردفها بالمؤسسات الضامنة لالتزام المؤمنين بها؟). التشريع لأي قانون إنما يستجيب للإلحاح الذي يفرضه الواقع. هذا الواقع يتّصف، في مسألة العنف الأسري بـ«عدم المساواة» بين الجنسَين: فالنساء الراشدات، وفق الدراسات المعنية بالعنف الممارس داخل الأسرة عندنا، يُعنَّفن بنسبة تفوق النسبة التي يعنّف بها الرجال في إطار الأسرة بدرجة فائقة. صحيح أنّنا نفتقر، في تونس، إلى الإحصاءات الشاملة التي تبيّن بدقّة مدى انتشار العنف داخل الأسر التونسية، ولا نملك رقماً موثوقاً يعيّن نسبة ضحايا التعنيف من الرجال إلى ضحايا التعنيف من النساء، لكن بعض الدراسات الجزئية تشير إلى أنّ النساء التونسيات اللواتي عُنّفن في فترة معيّنة من حيواتهن، تتراوح بين الربع والثلث، وأنّ 95% من الأفراد المعنّفين داخل الأسرة هم من النساء و إن النساء يُقتلن داخل أسرهنّ من قبل الرجال، بنسبة 100%. بالمقابل، لا تشير أية دراسة إلى احتمال أن يتجاوز تعنيف الرجل الراشد من قبل امرأة الـ 5%. مشروع قانون يرمي إلى حماية النساء من العنف الأسري. وهو قانون لا تقتصر مواده على عقاب الجاني (أو الجانية)، بل تشتمل أيضاً على تدابير وقائية، وأخرى توفّر الحماية للمرأة المعنّفة، أو تتعامل مع تداعيات العنف عليها. إضافة إلى ذلك، يستهدف القانون البيئة الإنسانية والاجتماعية ذات الصلة: فهو يتناول الهيئات الرسمية الإدارية والأمنية والحقوقية المعنية بالقانون ومواضيعه، ويقترح بروتوكولات لتنظيمها ويقوم بتوصيف صلاحياتها ومهمات أشخاصها (القضاة والمحامون، قوى الأمن، المرشدات الاجتماعيات، العاملون في المجال الصحي والنفساني والإرشاد الاجتماعي والتربوي والإعلامي، إلخ …). رشاد محمدي